سورة يوسف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}
قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما} يعني ساقي الملك. {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد حين، عن ابن عباس وغيره، ومنه {إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} [هود: 8] وأصله الجملة من الحين.
وقال ابن درستويه: والأمة لا تكون الحين إلا على حذف مضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال- والله أعلم-: وادكر بعد حين أمة، أو بعد زمن أمة، وما أشبه ذلك، والأمة الجماعة الكثيرة من الناس. قال الأخفش: هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وكل جنس من الحيوان أمة، وفي الحديث: {لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها}. قوله تعالى: {وَادَّكَرَ} أي تذكر حاجة يوسف، وهو قول: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}. وقرأ ابن عباس- فيما روى عفان عن همام عن قتادة عن عكرمة عنه- {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ}. النحاس: المعروف من قراءة ابن عباس وعكرمة والضحاك {وادكر بعد أمه} بفتح الهمزة وتخفيف الميم، أي بعد نسيان، قال الشاعر:
أمهت وكنت لا أنسى حديثا *** كذاك الدهر يودي بالعقول
وعن شبيل بن عزرة الضبعي: {بعد أمه} بفتح الألف وإسكان الميم وهاء خالصة، وهو مثل الأمه، وهما لغتان، ومعناهما النسيان، ويقال: أمه يأمه أمها إذا نسي، فعلى هذا {وادكر بعد أمه}، ذكره النحاس، ورجل أمه ذاهب العقل. قال الجوهري: وأما ما في حديث الزهري {أمه} بمعنى أقر واعترف فهي لغة غير مشهورة. وقرأ الأشهب العقيلي- {بعد إمة} أي بعد نعمة، أي بعد أن أنعم الله عليه بالنجاة. ثم قيل: نسي الفتى يوسف لقضاء الله تعالى في بقائه في السجن مدة.
وقيل: ما نسي، ولكنه خاف أن يذكر الملك الذنب الذي بسببه حبس هو والخباز، فقوله: {وَادَّكَرَ} أي ذكر وأخبر. قال النحاس: أصل ادكر اذتكر، والذال قريبة المخرج من التاء، ولم يجز إدغامها فيها لأن الذال مجهورة، والتاء مهموسة، فلو أدغموا ذهب الجهر، فابدلوا من موضع التاء حرفا مجهورا وهو الدال، وكان أولى من الطاء لأن الطاء مطبقة، فصار اذدكر، فأدغموا الذال في الدال لرخاوة الدال ولينها، ثم قال: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} أي أنا أخبركم. وقرأ الحسن {أنا آتيكم بتأويله} وقال: كيف ينبئهم العلج؟! قال النحاس: ومعنى {أُنَبِّئُكُمْ} صحيح حسن، أي أنا أخبركم إذا سألت. {فَأَرْسِلُونِ} خاطب الملك ولكن بلفظ التعظيم، أو خاطب الملك واهل مجلسه. {يُوسُفُ} نداء مفرد، وكذا {الصِّدِّيقُ} أي الكثير الصدق. {أَفْتِنا} أي فأرسلوه، فجاء إلى يوسف فقال: أيها الصديق! وسأله عن رؤيا الملك. {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ} أي إلى الملك وأصحابه. {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} التعبير، أو {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} مكانك من الفضل والعلم فتخرج. ويحتمل أن يريد بالناس الملك وحده تعظيما له.


{قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {قالَ تَزْرَعُونَ} لما أعلمه بالرؤيا جعل يفسرها له، فقال: السبع من البقرات السمان والسنبلات الخضر سبع سنين مخصبات، وأما البقرات العجاف والسنبلات اليابسات فسبع سنين مجدبات، فذلك قوله: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً} أي متوالية متتابعة، وهو مصدر على غير المصدر، لأن معنى {تَزْرَعُونَ} تدأبون كعادتكم في الزراعة سبع سنين.
وقيل: هو حال، أي دائبين.
وقيل: صفة لسبع سنين، أي دائبة. وحكى أبو حاتم عن يعقوب {دَأَباً} بتحريك الهمزة، وكذا روى حفص عن عاصم، وهما لغتان، وفية قولان، قول أبي حاتم: إنه من دئب. قال النحاس: ولا يعرف أهل اللغة إلا دأب. والقول الآخر- إنه حرك لأن فيه حرفا من حروف الحلق، قاله الفراء، قال: وكذلك كل حرف فتح أوله وسكن ثانية فتثقيله جائز إذا كان ثانيه همزة، أو هاء، أو عينا، أو غينا، أو حاء، أو خاء، وأصله العادة، قال:
كدأبك من أم الحويرث قبلها ***
وقد مضى في آل عمران القول فيه. {فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} قيل: لئلا يتسوس، وليكون أبقى، وهكذا الأمر في ديار مصر. {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ} أي استخرجوا ما تحتاجون إليه بقدر الحاجة، وهذا القول منه أمر، والأول خبر. ويحتمل أن يكون الأول أيضا أمرا، وإن كان الأظهر منه الخبر، فيكون معنى: {تَزْرَعُونَ} أي ازرعوا.
الثانية: هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال، فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأمور فهو مصلحة، وكل ما يفوت شيئا منها فهو مفسدة، ودفعه مصلحة، ولا خلاف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية، ليحصل لهم التمكن من معرفة الله تعالى وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية، ومراعاة ذلك فضل من الله عز وجل ورحمة رحم بها عباده، من غير وجوب عليه، ولا استحقاق، هذا مذهب كافة المحققين من أهل السنة أجمعين، وبسطه في أصول الفقه.


{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {سَبْعٌ شِدادٌ} يعني السنين المجدبات. {يَأْكُلْنَ} مجاز، والمعنى يأكل أهلهن. {ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} أي ما ادخرتم لأجلهن، ونحوه قول القائل:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة *** وليلك نوم والردى لك لازم
والنهار لا يسهو، والليل لا ينام، وإنما يسهى في النهار، وينام في الليل. وحكى زيد بن أسلم عن أبيه: أن يوسف كان يضع طعام الاثنين فيقربه إلى رجل واحد فيأكل بعضه، حتى إذا كان يوم قربه له فأكله كله، فقال يوسف: هذا أول يوم من السبع الشداد. {إِلَّا قَلِيلًا} نصب على الاستثناء. {مِمَّا تُحْصِنُونَ} أي مما تحبسون لتزرعوا، لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات.
وقال أبو عبيدة: تحرزون.
وقال قتادة: {تُحْصِنُونَ} تدخرون، والمعنى واحد، وهو يدل على جواز احتكار الطعام إلى وقت الحاجة.
الثانية: هذه الآية أصل في صحة رؤيا الكافر، وأنها تخرج على حسب ما رأى، لا سيما إذا تعلقت بمؤمن، فكيف إذا كانت آية لنبي. ومعجزة لرسول، وتصديقا لمصطفى للتبليغ، وحجة للواسطة بين الله- جل جلال- وبين عباده.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14